أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن هذا الكتاب العظيم الذي نقدمه اليوم في نشرة علمية جديدة ضمن مشروع «آثار الإمام ابن القيم الجوزية» من الكتب الأصول للإمام ابن القيم، وهو في مرتبة «زاد المعاد»، و «الصواعق المرسلة»، و «مدارج السالكين»، و «طريق الهجرتين»، و «إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان»، ونحوها. فهذه كلها منظومة علمية واحدة، غايتهاالدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنةفي العقائد والأعمال، وإصلاح ما أصاب حياة المسلمين العلمية والعملية من زيغ أو فساد على أيدي الفلاسفة والمتكلمين ومقلدي الفقهاء والمتصوفة المنحرفين. وذلك عنوان مهمة التجديد والإصلاح التي قام بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وآزره فيها وسار على خطاه تلاميذه، ومن أبرزهم تلميذُه الإمام ابن القيم.
وكتابنا هذا بما احتواه من مباحث الرأي والقياس والتقليد وحكمة التشريع وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان وسدّ الذرائع وأدب المفتي والمستفتي وما إلى ذلك=يُعَدُّ من كتب أصول الفقه، ولكنه يختلف عنها في ترتيبه ومنهجه وأسلوبه، بل في مادته الغزيرة من الاحتجاجات والردود في أبواب من الكتاب لا تلقاها مجموعة في كتاب آخر، ومسائل فقهية كثيرة جدًّا جاءت للتمثيل والتدليل، وخصّ بعضها بإطالة البحث والتفصيل. ثم الكتاب معرض آراء شيخ الإسلام وترجيحاته، وقد سماه المؤلف فيه في أكثر من مائة موضع، وبنى كثيرًا من المباحث على قواعده، وساق في أثنائه فصولًا طويلة من كلامه. فأصبح
وفي "المسند" والترمذي جامع الترمذي" (2323). وأخرجه مسلم (2858). وانظر: "أمثال الرمهرمزي" (ص 83)." data-margin="1">(1) عنه: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدُكم إصبعَه في اليَمِّ، فلينظر بم يرجع؟ ".
ومرَّ مع أصحابه (2) بسَخْلة منبوذة فقال: "أترون هذه هانت على أهلها، فوالذي نفسي بيده، لَلدُّنيا (3) أهونُ على الله من هذه على أهلها" (4).
وقال: "إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قومٍ سلكوا مفازةً غبراءَ، لا يدرُون ما قطعوا منها أكثرُ أو ما بقي منها. فحسَرت (5) ظهورُهم، ونفِد زادهم، وسقطوا بين ظهرَي المفازة، فأيقنوا بالهلكة. فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجلٌ في حُلّةٍ يقطرُ رأسه، فقالوا: إن هذا لحديثُ عهدٍ بريف، فانتهى إليهم، فقال: يا هؤلاء، ما شأنكم؟ فقالوا: ما ترى كيف حسَرت ظهورنا، ونفِدت أزوادنا بين ظهرَي هذه المفازة، لا ندري ما قطعنا منها أكثرُ أم ما بقي؟ فقال: ما تجعلون لي إن أوردتُكم ماءً رَواءً (6) ورياضًا خُضْرًا؟ قالوا: حكمَك. قال: تعطوني عهودكم ومواثيقكم أن لا تعصُوني، ففعلوا،