
أحكام أهل الذمة - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 586
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
الدليل [الثالث]: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمع دينانِ في جزيرة العرب" (1). ووجه الاستدلال من هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بإخراجهم من أرضهم ونقلها إلى المسلمين، لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، فكيف نسلِّطهم على انتزاع أراضي المسلمين منهم قهرًا وإخراجهم منها؟ وأيضًا، فالشفعة حقٌّ يختصُّ بالعقار، فلا يساوي الذمي فيه المسلم، كالاستعلاء في البنيان. يوضحه أن الاستعلاء تصرفٌ في هواء ملَكَه المختصُّ به، فإذا مُنع منه فكيف يسلَّط على انتزاع ملك المسلم منه قهرًا، وهو ممنوع من التصرف في هوائه تصرفًا يستعلي فيه على المسلم؟ فأين هذا الاستعلاء من استعلائه عليه بإخراجه من ملكه قهرًا؟ وأيضًا، فالشفعة وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع وإن كان فيها ضررٌ بالمشتري، فإذا كان المشتري مسلمًا فسلِّط الذمي على انتزاع ملكه منه قهرًا كان فيه تقديم حقّ الذمي على حق المسلم، وهذا ممتنعٌ.
وأيضًا، فإنه يتضمن مع إضراره بالمسلم إضرارًا بالدين، وتملُّكَ دار المسلمين منهم قهرًا، وشغْلَها بما يُسخِط الله بدلَ ما يرضيه. وهذا خلاف قواعد الشرع. ولذلك حرِّم عليهم نكاح المسلمات إذ كان فيه نوع استعلاءٍ عليهن، ولذلك لم يَجز القصاصُ بينهم وبين المسلمين ولا حدُّ القذف، ولا يُمكَّنون من تملُّك رقيقٍ مسلم، وقد قال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اَللَّهُ لِلْكَافِرِينَ