أحكام أهل الذمة - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 586
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
وجاؤوا إلى المسجد فوجدوا سوَّارًا جالسًا للحكم بين المسلمين، فدخل المسجد وتجاوز الموضع الذي كان يجب الوقوف عنده (1)، فمنعه الخَدَمُ فلم يعبأ بهم وسبَّهم، ودنا حتى جلس عن يمين سوَّارٍ ودفع له الكتاب، فوضعه بين يديه، ولم يقرأه وقال: ألستَ نصرانيًّا؟ فقال: بلى أصلح الله القاضي، فرفع رأسه وقال: جُرُّوا برجله، فسُحِبَ إلى باب المسجد وأدَّبه تأديبًا بالغًا، وحلفَ أن لا يبرحَ واقفًا إلى أن يوفّي المسلمين حقوقهم، فقال له كاتبه: قد فعلتَ اليوم أمرًا يُخاف أن تكون له عاقبةٌ، فقال: أعِزَّ أمرَ الله يُعِزَّك الله (2).
فصل وأما هارون الرشيد، فإنه لما قلَّد الفضل بن يحيى أعمال خراسان، وجعفرًا أخاه ديوانَ الخراج، وأمرهما بالنظر في مصالح المسلمين، فعمرت المساجد والجوامع والصهاريج (3) والسِّقايات (4)، وجَعلَ في المكاتب مكاتبًا لليتامى، وصَرفَ الذمة عن أعمالهم، واستعمل المسلمين عوضًا منهم، وغيَّر زيَّهم ولباسهم، وخرَّب الكنائس، وأفتاه بذلك علماء الإسلام (5)