[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ظلها، ينعمون بالأمن والأمان، ويتمتعون بحقوقهم كاملة غير منقوصة.
ولكنَّ أولئك القوم -من وثنيين وكتابيين وغيرهم- وقفوا من هذه الدعوة ومن نبيِّها وأتباعه موقف العداء والصدود والتآمر، منذ فجر هذه الدعوة؛ فنازلوها في ميدان القتال بالسلاح والسِّنان، وفي ميدان الفكر بالجدال وإلقاء الشبهات، والدعاية المغرضة الكاذبة، وبآلتُّهم الظالمة الجائرة، وفي ميدان الاقتصاد والاجتماع بالحصار والإنفاق للصدِّ عن سبيل الله، وفي ميدان السياسة بنقض العهود والمواثيق، وبالتآمر ومكر الليل والنهار.
وقد حكى الله تعالى في كتابه الكريم موقف القوم وعداءهم للإسلام والمسلمين، وتحالفهم جميعًا لتحقيق مآربهم ومخططاتهم، ثم جاء الواقع التاريخي العمليُّ -في القديم والحديث- يؤكد ذلك ويصدِّقه. وما خبر الحروب الصليبية عنا ببعيد، تلك الحروب الغاشمة، التي كان مبدؤها ذلك الصراع المبكر بين المسلمين والرومان، ومن صورها الأخيرة: محاربة المسلمين والعدوان عليهم في فلسطين، وفي سائر البلاد التي تقاسمها المستعمرون الفرنسيون والإنجليز والإيطاليون والهولنديون. .
وفي الأيام الأخيرة العدوان الهمجي على المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي الفلبين، وفي تايلند، وفي الهند، وفي كشمير، وفي الصومال، وفي أفغانستان، وفي العراق.
وقبل ذلك: حرب الإبادة الجماعية في الاتحاد السوفيتي، وفي الهند، وفي كشمير أيضًا، وفي يوغوسلافيا وفي الحبشة وغيرها من الأصقاع التي يسيطر فيها غير المسلمين، أو يتغلبون فيها عليهم، سواء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الحمدُ لله الذي رضي لنا الإسلام ديْنًا، ونصب لنا الدِّلالة على صحته برهانًا مبينًا، وأوضحَ السَّبيلَ إلى معرفته واعتقاده حقَّا يقينًا، ووعدَ منْ قام بأحكامه وحفظ حدودَهُ أجرًا جسيمًا، وذخر لمن وافاه به ثوابًا جزيلًا وفوزًا عظيمًا، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراهُ وأسبابه.
فهو دينُه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه (2) اهتدى المهتدون، وإليه دعا الأنبياءُ والمرسلون (3).
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83].
فلا يقبل من أحد دينًا سواه من الأولين والآخرين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
شهد بأنَّه دينُه قَبْلَ شهادة الأنام، وأشادَ به (4) ورَفَعَ ذِكْرَهُ، وسمَّى به أهلَه وما اشتملت عليه الأرحامُ، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 18، 19].