
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
من أمور العقيدة، وعندئذ قام المسلمون بالردّ على مفتريات اليهود وشبهاتهم وناقشوا عقائدهم، واتخذوا لذلك منهجًا يقوم على النظر والدليل.
وأما النصارى؛ فقد بدأ الجدل بينهم وبين المسلمين في الحبشة أولًا، عند الهجرة الأولى للمسلمين، في حقيقة المسيح، وفي الكلمة، وفي غير ذلك من مسائل تدور حول العقيدة الإسلامية في المسيح. ثم جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة وجادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن عيسى عليه السلام، وقد دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المباهلة. قال الله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران/ 61].
ثم وصل الإسلام إلى الشام والعراق ومصر، فبدأت النصرانية تنازعه نزاعًا فكريًا شديدًا. وثار الجدل حول طبيعة المسيح وحول مسائل الألوهية، وفكرة الجوهر والعَرَض، والأقانيم الثلاثة والوحدانية، وفكرة الخطيئة والصَّلب. وبلغ الجدل ذروته من الشدة بعد "يوحنا الدمشقي" (طبيب الأمويين الذي وضع للنصارى أصول الجدل مع المسلمين) على يد نصراني آخر هو "يوحنا النقيوسي" المصري الذي رحل إلى الحبشة وبدأ يرسل رسائله إلى أقباط مصر، يحاول فيها مناقشة العقائد الإسلامية، والحيلولة دون اعتناقهم الإسلام في عهد الدولة العباسية (1) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الحمدُ لله الذي رضي لنا الإسلام ديْنًا، ونصب لنا الدِّلالة على صحته برهانًا مبينًا، وأوضحَ السَّبيلَ إلى معرفته واعتقاده حقَّا يقينًا، ووعدَ منْ قام بأحكامه وحفظ حدودَهُ أجرًا جسيمًا، وذخر لمن وافاه به ثوابًا جزيلًا وفوزًا عظيمًا، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراهُ وأسبابه.
فهو دينُه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه (2) اهتدى المهتدون، وإليه دعا الأنبياءُ والمرسلون (3).
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83].
فلا يقبل من أحد دينًا سواه من الأولين والآخرين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
شهد بأنَّه دينُه قَبْلَ شهادة الأنام، وأشادَ به (4) ورَفَعَ ذِكْرَهُ، وسمَّى به أهلَه وما اشتملت عليه الأرحامُ، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 18، 19].