
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ومَنْ تأمَّل سيرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تبيَّن له أنه لم يُكْرِهْ أحدًا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله. وأما من هَادَنَهُ: فلم يُقاتِلْه مادام مقيمًا على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يَفيَ لهم بعهدهم (1) ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7].
ولما قَدِمَ المدينةَ صالح اليهودَ، وأقرَّهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم؛ فمنَّ على بعضهم، وأجلى بعضَهم، وقتل بعضهم (2) .
وكذلك لما هادن قريشًا عشر سنين لم يبدأهم بقتالٍ حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم (3) . وكانوا هم يغزونه قبل ذلك، كما قصدوه يوم أُحُدٍ، ويوم الخَنْدَقِ، ويوم بَدْرٍ أيضًا، هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم.
والمقصود: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُكْرِهْ أحدًا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناسُ في دينه اختيارًا وطوعًا؛ فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبيَّنَ لهم الهدى وأنَّه رسولُ الله حقًّا.
فهؤلاء أهل اليمن، كانوا على دين اليهوديَّة أو أكثرهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ لمَّا بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فليكنْ