[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فنقول: (أمَّا المسألة الأُولى) وهي قول السائل: (قد اشتهر عندكم بأنَّ أهل الكتابَيْن ما مَنَعَهُمْ من الدُّخول في الإسلام إِلَّا الرِّيَاسةُ والمَأْكَلَةُ لا غير) = فكلامُ جاهلٍ بما عند المسلمين (وبما عند الكفَّار) (1).
أمَّا المسلمون؛ فلم يقولوا: إنَّه لم يمنعْ أهلَ الكتاب مِنَ الدُّخول في الإسلام إلا الرِّياسةُ والمأكلة لا غير. وإن قال هذا بعضُ عوامِّهم، فلا يلزم جماعتَهم.
والممتنعون (2) من الدخول في الإسلام من أهل الكتابين وغيرهم جزءٌ يسير جدًّا بالإضافة إلى الدَّاخلين فيه منهم، بل أكثر الأُمم دخلوا في الإسلام طوعًا ورَغْبَةً واختيارًا، لا كرهًا ولا اضطرارًا، فإن الله -سبحانه وتعالى- بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسولًا إلى أهل الأرض، وهم خمسة أصناف، قد طبقوا الأرض: يهود، ونصارى، ومَجُوسٌ، وصَابِئَة (3)، ومشركون. وهذه الأصناف هي التي كانت قد استولت على الدنيا من مشارقها إلى مغاربها.
فأمَّا اليهود؛ فأكثر ما كانوا باليمن وخَيْبَر والمدينةِ وما حولها، وكانوا بأطراف الشام مُسْتَذَلِّين مع النَّصارى، (وكان منهم بأرض فارس فرقة مستذلَّة مع المجوس) (4)، وكان منهم بأرض المغرب (5) فِرْقَةٌ، وأعزَّ ما كانوا بالمدينة وخيبر، وكأن الله سبحانه قد قطَّعهم في الأرض