[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
غيره مؤسَّسًا على شفا جُرُفٍ هارٍ، فتبارك الذي رفع منزلته، وأعلى كلمتَه، وفخَم شأنَه، وأشاد بنيانَه، وأذلَّ مُخَالفيه ومُعَانديه، وكَبَتَ من يُبْغِضه ويُعادِيه، ووسمهم بأنَّهم شَرُّ الدوابِّ، وأعدَّ لهم -إذا قدموا عليه- أليمَ العقاب (1) ، وحكم لهم بأنهم أضلُّ سبيلًا من الأنعام، إذِ استبدلوا الشركَ بالتوحيد، والضلالَ بالهدى، والكفرَ بالإسلام، وحكم -سبحانه- لعلماء الكفر وعباده حكمًا يشهد ذوو العقول بصحته ويرونه شيئًا حسنًا، فقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 103 - 106].
فصل (2) فأين يذهب مَنْ تولَّى عن توحيد ربّه وطاعته، ولم يرفع رأسًا بأمره ودعوته، وكذَّب رسولَه وأعرضَ عن متابعته، وحادَ عن شريعته، ورَغِبَ عن ملَّتِه واتَّبع غير سُنَّتِه، ولم يستمسك (3) بعهده، ومكَّن الجهلَ من نفسه، والهوى والعنادَ من قلبِه، والجحودَ والكفرَ مِنْ صَدْرهِ، والعصيانَ والمخالفةَ مِنْ جوارحه، فقد قابل خبر الله بالتكذيب، وأمْرَهُ بالعصيان، ونهيَه بالارتكاب، يَغْضَبُ الربُّ وهو راضٍ، ويرضى وهو غضبان، يحبُّ ما يبغض، ويبغض ما يحبُّ، ويوالي من يعاديه، ويعادي من