الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية

الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية

5954 0

 [آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (8)]

تحقيق وتعليق: محمد بن عبد الرحمن العريفي، ناصر بن يحيى الحنيني، عبد الله بن عبد الرحمن الهذيل، فهد بن علي المساعد

تنسيق: محمد أجمل الإصلاحي

راجعه: محمد عزير شمس - سعود بن عبد العزيز العريفي

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]



مشاركة

فهرس الموضوعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد. فهذا كتاب "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزيَّة -رحمه الله تعالى- محقَّقًا على أحسن نُسَخه الخطية. مع دراسة وافية عنه، وتعليقات تحلّ مغلقه، وتفتح مقفله، وتفكّ رموزه، وفهارس كاشفة لما تضمنه. وقد كان أصل هذا العمل أربع رسائل علمية (ماجستير) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قدمها أربعة من الباحثين، وهم: محمد بن عبد الرحمن العريفي، وناصر بن يحيى الحنيني، وعبد الله بن عبد الرحمن الهذيل، وفهد بن علي المساعد، بإشراف فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي. وقد اقتضى طبع هذه الرسائل في هذا المشروع المبارك -إن شاء الله تعالى- إجراء تنسيق بينها في المقدمة والتعليقات والفهارس، فأوكل ذلك إلى الشيخ محمد أجمل أيوب الإصلاحي، فكان مُجمل ما قام به ما يلي: 1 - صُنْع مقدمة موحَّدة للتحقيق مستفادة من الرسائل، مع إعادة صياغة وتحرير الفصل الأول (التعريف بالكتاب)، والفصل الخامس (نسخ الكتاب ومنهج التحقيق). أما الفصل الثاني (الشروح والتعليقات على الكتاب) فمن مقدمة العريفي، والفصل الثالث (موقف أهل البدع من الكتاب) فمن مقدمة

الصفحة

5/ 246

1757 - واذْكُرْ كَلَامَ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ... "أقِمِ الصَّلَاةَ" وَتِلْكَ فِي سُبْحَانِ

1758 - فِي ذِكْرِ تَفْسِيرِ المَقَامِ لأحْمَدٍ ... مَا قِيلَ ذَا بالرَّأْيِ والحُسْبَانِ

_________

1757 - تقدمت ترجمة مجاهد عند البيت رقم (1170). - يشير إلى قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 78، 79]. و"سبحان": اسم لسورة الإسراء، ويطلق عليها سورة بني إسرائيل. (الفتح 8/ 289).                                  1758 - يعني في تفسير المقام المحمود للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وأثر مجاهد: أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 145) قال: "حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يُجْلِسُه معه على عرشه". - وأخرجه الخلال من طرق كثيرة في السنة (ص 209 - 265) ومدارها على ليث بن أبي سليم. - وأورده الحافظ في الفتح (8/ 252) وعزاه إلى عبد بن حميد، وعزاه الذهبي في العلو (المختصر ص 256) إلى الطبراني في السنة. وقد أشار الطبري في تفسيره (15/ 147) إلى تصحيحه للخبر. - ونقل الناظم فيما سيأتي أن الدارقطني يثبت الآثار في هذا الباب ونقل الشهاب الخفاجي في نسيم الرياض (2/ 343) تصحيح الدارقطني لهذا الأثر. - وقد صححه شيخ الإسلام فقال في درء التعارض (5/ 237): "رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول". وانظر مجموع الفتاوى (4/ 273). - ونقل الخلال تصحيح الإمام أحمد والقاسم بن سلام وأبي داود صاحب السنن وإسحاق بن راهويه وغيرهم كثير لهذا الأثر كما سوف يأتي. (انظر: السنة للخلال برقم (244)، (283)، (311). 

وللأثر شواهد سوف نذكرها عند البيت رقم (1761). وهذا الأثر مما تلقته الأمة بالقبول وأجمع عليه أهل السنة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام وغيره ... ومن ضعّف الأثر يُعِلُّه "بليث بن أبي سليم": وقد ضعفه بعض أهل العلم ولكن قال عنه ابن عدي فى الكامل (6/ 90): "له أحاديث صالحة وقد روى عنه شعبة والثوري ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه". وقال الإمام أحمد: "مضطرب الحديث، ولكن حدث الناس عنه" الكواكب النيّرات لابن الكيال ص 493. يعني أن ضعفه ليس شديدًا قد ينجبر بالشواهد الأخرى كما سيأتي. ومما يجعلنا نقوي هذا الأثر عدة أمور: 1 - ما نقل عن السلف في قبول هذا الخبر والطعن فيمن ردَّه وتضليله وتبديعه وإليك الأمثلة - (انظر: السنة للخلال من ص 209 إلى ص 265) -: قال أبو داود: "من أنكر هذا فهو عندنا متهم، وقال: ما زال الناس يحدثون بهذا الحديث يريدون مغايظة الجهمية، وذلك أن الجهمية ينكرون أن على العرش شيء". قال إسحاق بن راهويه: "من ردَّ هذا الحديث فهو جهمي". قال إبراهيم الأصبهاني: "هذا الحديث حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة ولا يرده إلّا أهل البدع، قال: وسألت حمد بن علي عن هذا الحديث فقال: كتبته منذ خمسين سنة ولا يرده إلاّ أهل البدع". 2 - ليس في الأثر ما يستنكر أو يوهم التشبيه والتجسيم -كما زعم أهل البدع-، لأن الأثر قال: "يجلس محمدًا على العرش" فهذا فيه نص على استواء الرب على العرش حقيقة وليس فيه كيفية لهذا الاستواء حتى يستشنعه بعض من يسمعه، ويدل لهذا قول أبي داود: "يريدون مغايظة الجهمية، وذلك أن الجهمية ينكرون أن على العرش شيء"، وأهل السنة حين إيرادهم لهذا الحديث يستدلون به لإثبات العلو والاستواء فقط لا غير، وأنه مما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر الخلق. 

3 - أن الأئمة عند تفسير آية الإسراء أثبتوا هذا الأثر وذكروا أنه لا منافاة بين الشفاعة العظمى وأنها المقام المحمود وإجلاس الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - معه على العرش هو من المقام المحمود أيضًا وإليك نص كلامهم: قال الطبري في تفسيره (15/ 145 - 148): "ما قاله مجاهد من أن الله يُقْعِدُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على عرشه غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر ... (إلى أن قال): فقد تبين إذًا بما قلنا أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام ما قاله مجاهد من أن الله تبارك وتعالى يقعد محمدًا على عرشه" ا. هـ مختصرًا. وذكر الحافظ في الفتح (10/ 435) أقوال الناس في تفسير المقام المحمود ثم قال: " ... ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق" (وكلام الحافظ هذا يوحي بقبوله واحتجاجه بخبر مجاهد). وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (10/ 311 - 312): "وهذا تأويل غير مستحيل"، وقال أيضًا: "بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف، وليس إقعاده محمدًا على العرش موجبًا له صفة الربوبية أو مخرجًا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه". وكذلك من المفسرين الذين أثبتوا هذا المعنى وأوردوا كلامًا مشابهًا لكلام القرطبي وابن حجر وابن جرير: - ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 1542) عند تفسير قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ ... } [الأحزاب: 37]، الشوكاني في فتح القدير (3/ 252)، صديق حسن خان في فتح البيان (7/ 440)، الآلوسي في روح المعاني (5/ 15/ 142)، ابن عطية في المحرر الوجيز (3/ 479) ط. الشهاب الخفاجي وملا علي القاري في نسيم الرياض (2/ 343 - 345). 4 - أن إثبات هذا القول على ظاهره وعدم تأويله والإيمان بما جاء به

حقيقة وأنه يدل على علو الله تعالى على عرشه واستوائه حقيقة قد أثبتها الجمّ الغفير من أهل العلم من أئمة السنة منهم: قال الناظم في بدائع الفوائد (4/ 39): "قال القاضي: صنف المروزي كتابًا في فضيلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيه إقعاده على العرش، قال القاضي وهو قول أبي داود، وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبي بكر بن حماد وأبي جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشير بن شريك وأبي قلابة وعلي بن سهل وأبي عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي. انتهى (قلت) -الكلام لابن القيم-: "وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ... " وانظر العلو للذهبي. وقد ألف أبو القاسم الدشتي كتابًا أثبت فيه الحد لله وهذه المسألة (انظر: ذيل التذكرة). (وعندي نسخة من الظاهرية مصورة). ذكر الناظم في بدائع الفوائد (4/ 39)، والذهبي في (مختصر العلو ص 183) أن للمروزي صاحب الإمام أحمد كتابًا في فضيلة النبي أثبت فيه - صلى الله عليه وسلم - مسألة الإجلاس. - قوله: "ما قيل ذا بالرأي ... " يشير به إلى أن أثر مجاهد لا يمكن أن يقال بالرأي، والذي لا يقال بالرأي يأخذ حكم المرفوع، فعلى هذا يكون الحديث مرسلًا، ولا يحكم للحديث بأنه مرفوع إلا إذا كان الذي لا مجال للرأي فيه هو قول الصحابي وعلى هذا علماء الحديث ولم يخالف إلّا ابن العربي في كتابه "القبس شرح موطأ مالك بن أنس" حيث قرر أن التابعي إذا قال قولًا لا مجال للرأي فيه فإنه يأخذ حكم المرفوع. انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 152، النكت لابن حجر 2/ 530. 

ولكن مما يجعلنا نتوقع أنه ليس من رأيه بل هو مما أخذه عن ابن عباس ما ثبت عنه أنه قال: "عرضت القرآن على ابن عباس أقِفُهُ عند كل آية أسأله فيم أنزلت وفيم كانت" السير (4/ 450).

ويقول قتادة: "أعلم من بقي بالتفسير مجاهد".

وإن كان مرسلًا فإنه يعتضد بالشواهد، ومعناه تشهد له نصوص العلو والاستواء الأخرى، وكذلك كما ذكرنا تلقي الأئمة له بالقبول.

الصفحة

474/ 1180

مرحباً بك !
مرحبا بك !