
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (2)]
راجعه: حاتم بن عارف الشريف - يحيى بن عبد الله الثمالي
موضوعُ الكتاب ومنهجُ المصنِّف * موضوع الكتاب: رسالةٌ بعث بها ابنُ القيِّم إلى بعض إخوانِه، كما يقول تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي" في صدر نسخته التي وصلتنا بخطه، وهي فائدة لم تذكر -فيما رأيت- في شيء من المصادر المعتنية بالإمام وتصانيفه.
وقطبُ رحى الرسالة، وإنسانُ عينها، كما يشيرُ إليه العنوانُ الذي اختاره المصنِّفُ لها = يدور على بيان فضل ذكر الله -عز وجل-، وعظيمِ أثره وفائدته، وجليل مكانته ومنزلته، ورفيع مقامِه ودرجتِه، وجزيلِ الثواب المُعَدِّ لأهله، المُتَّصِفين به، في الآخرة والأولى.
وقد سلك المصنِّف لعرض هذا الموضوع مسلكًا -في التأليف- بديعًا غير مألوف، وانتهج له فيه سبيلًا غير مطروقةٍ، وأخذ بيدِ قارئه، فمازال به يُمهِّد له القول، ويبعثُ فيه الشّوق، وهو يَجُوزُ به الطريق منزلةً منزلةً = حتى وقع به عليه، دون أن تَلْحَقه وحشةٌ، أو يعتريه ملال.
ذلك أنه لم يَصْمُد إليه صَمْدًا، ولا قصده بالقول من أوّل الأمر، وإنما جعله ضمن شرحه لحديث الحارث الأشعريِّ الطويل: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات. . ." الحديث، فجاء في موضعه منه غايةً في الانسجام ولُطفِ التدبير.
افتتح المصنّفُ الكتابَ بمقدّمة لطيفةٍ ذكر فيها الطِّباق التي لا يزالُ العبدُ يتقلَّبُ فيها دهرَه كلَّه، وأشار إلى حظِّ الشيطان منه، ومداخله إليه، ثمَّ ابتدأ فصلًا نافعًا عن استقامة القلبِ، وبيَّن أنها تكون بشيئين،
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين هذه رسالة كتبها شيخنا الإمام العالم الحَبْر العلّامة شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، المعروف بابن قيم الجوزية، تغمده الله برحمته، إلى بعض إخوانه، وسمّاها "الكلم الطيب والعمل الصالح"، وهي كما سمّاها (1).
قال: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهُ سبحانه وتعالى المسئُول (2) المرجوُّ الإجابة أن يتولاكم في الدنيا والآخرة، وأن يُسْبِغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنةً (3)، وأن يجعلكم ممن إذا أنْعَم الله عليه شكر، وإذا ابْتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر؛ فإن هذه الأمور الثلاثة هي عُنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، ولا يَنْفَكُّ عبدٌ عنها أبدًا، فإنّ العبد دائمًا يتقلَّبُ بين هذه الأطباق الثلاث.
نِعَمٌ من الله تعالى تترادف عليه، فَقَيْدُها الشكر، وهو مبنيّ على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطنًا، والتحدث بها ظاهرًا، وتصريفها في مرضاة