أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الشجر من ألف جزء على جزء مساقاة غير مقصودة وإجارة غير مقصودة. فجعلوا ما لم يُقصَد مقصودًا، وما قُصِد غيرَ مقصود، وحابَوا في المساقاة أعظم محاباة، وذلك حرام باطل في الوقف وبستان المولَّى عليه من يتيم أو سفيه أو مجنون. ومحاباتهم إياه في إجارة الأرض لا تسوِّغ لهم محاباةَ المستأجر في المساقاة. ولا يسوغ اشتراطُ أحد العقدين في الآخر، بل كلُّ عقد مستقلٌّ بحكمه. فأين هذا من فعل أمير المؤمنين وفقهه؟ وأين القياس من [253/ب] القياس، والفقه من الفقه؟ فبينهما في الصحة أبعدُ ممَّا (1) بين المشرقين؟ فصل فهذا الكلام على المقام الأول، وهو كون الإجارة على خلاف القياس، وقد تبيَّن بطلانه.
وأما المقام الثاني ــ وهو أن الإجارة التي أذِن الله فيها في كتابه، وهي إجارة الظئر على خلاف القياس ــ فبناء منهم على هذا الأصل الفاسد. وهو أن المستحَقَّ بعقد الإجارة إنما هو المنافع لا الأعيان، وهذا الأصل لم يدل عليه نصُّ (2) كتاب ولا سنة، ولا إجماع ولا قياس صحيح. بل الذي دلَّت عليه الأصول أن الأعيان التي تحدث شيئًا فشيئًا مع بقاء أصلها، حكمُها حكمُ المنافع، كالثمر في الشجر، واللبن في الحيوان، والماء في البئر. ولهذا سوَّى بين النوعين في الوقف، فإن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الفائدة.