
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قدرته وربوبيته، فمِنْ أعظم الجهل والضلال أن يقول القائل: هلّا كان خَلْقُهُ كلهم نوعًا واحدًا، فيكون العالم عُلْوًا كله، أو نورًا كله، أو الحيوان مَلَكًا كله؟ وقد يقع في الأوهام الفاسدة أنّ هذا كان أولى وأكمل، ويفرض الوهم الفاسد ما ليس ممكنًا: كمالًا. الوجه السادس والثلاثون: قوله: «وأي حكمة في إيلام الحيوانات غير المكلفة؟». فهذه مسألة تكلم الناس فيها قديمًا وحديثًا، وتباينت طرقهم في الجواب عنها. فالجاحدون للفاعل المختار الذي يفعل بمشيئته وقدرته يُحِيلون ذلك على الطبيعة المجرّدة، وأن ذلك من لوازمها ومقتضياتها، ليس بفعل فاعل، ولا قدرة قادر، ولا إرادة مريد. ومنكرو الحكمة والتعليل يردّون ذلك إلى محض المشيئة، وصِرْف الإرادة التي تُخَصِّص مِثْلًا على مِثْل بلا موجِب ولا غاية ولا حكمة مطلوبة ولا سبب أصلًا. وظنَّوا أنهم بذلك يتخلصون من السؤال، ويسدّون على نفوسهم باب المطالبة، وإنما سدّوا على نفوسهم باب معرفة الربّ وكماله، وكمال أسمائه وأوصافه وأفعاله، فعطّلوا حكمته وحقيقة إلهيته وحمده، وكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار. وأما من أثبت حكمة وتعليلًا لا يعود إلى الخالق بل إلى المخلوق؛